الخميس، 12 يناير 2012

النعمان يروي موقف التحريض ضد الأستاذ حيدرة

يقول أحمد محمد نعمان ، في مذكراته الصادرة سنة 2003،عن المركز الثقافي الفرنسي بصنعاء: "في يوم من الأيام ، قدم إلى قرية ذبحان بقضاء الحجرية معلم شاب اسمه محمد أحمد حيدرة ، جاء به أخي الأكبر من القاهرة، وكان له تأثير عميق.
كان هذا المدرس شابًا يتحلى بثقافة متفتحة ، كان يُدرس التلاميذ الجغرافيا ، والتاريخ، وأعطى لتلاميذه معلومات جديدة ومثيرة عن الأرض ، والشمس ، فكان ، يقول لهم أنّ الأرض كروية ، وأنّ الشمس ثابتة والأرض هي التي تدور . وعندما عرفت أنّ الأستاذ محمد حيدرة يعزف على العود أقمنا الدنيا ولم نقعدها.
ويقول النعمان: "حرضت التلاميذ وأولياء أمورهم على الأستاذ حيدرة وكان من نتيجة ذلك أنّ « سفروه (سافر) إلى عدن ، ورجع الأولاد إلى المدرسة.
وابتدأت النشاطات في تلك المدرسة من رياضة ، وكشافة ، وأناشيد .حتى الحكومة كانت تقرر لهم الأناشيد. وكان الأستاذ حيدرة ، قد أتاهم بنشيد من تأليفه يقول فيه:
الــوطـن الوطن      يــا شـبــاب الـيمــن
مالـــه مـن ثمن     غير أرواحنا والكفن
وعلى الرغم من رحيل المعلم حيدرة عن قرية ذبحان إلاّ أنه وضع بصمات مشرقة زلزلت الكثير من المفاهيم التقليدية والجامدة التي كان يعتنقها ويؤمن بها الأستاذ نعمان ما دفعه بعد فترة إلى إعادة المعلم حيدرة إلى ذبحان مرة أخرى ، ويشد من أزره.

الأستاذ حيدرة وأحمد النعمان

ذاع صيت الأستاذ محمد أحمد حيدرة وسط رموز الحركة الوطنية في جنوب اليمن،بعد نجاحة في تأسيس المسرح اليمني في الجنوب عام 1927 في مدينة عدن. برز حيدرة كأحد أهم المعلمين في كلية بلقيس بعدن، الأمر الذي قاد إلى أن يستقدمه الأخ الأكبر للأستاذ النعمان للعمل مدرساً في التربة العام 1935. وقد عمل حينها على تأسيس منهج جديد لمقررات التعليم عوضاً عن "الكتاتيب"، وعمل على استقدام مدرسين وشاهد التلاميذ دروسا مختلفة في العلوم والفنون وانشدوا خلف صوت الآلات الموسيقية وهم يرتدون ملابس الكشافة (الجوالة) فيما ارتدى البعض ملابس مسرحية لتأدية أدوار متعددة. وهو الأمر الذي ضاق به النعمان كون حيدرة كان يدرس التلاميذ علوم الغرب ويعد لهم الاغاني والأناشيد الوطنية التي كانت تعد فسقاً بنظره. ولعل أكثر ما كان قد أنزعج منه النعمان طبقاً لروايته في كتاب مذكراته أن شعر بالغيض عندما شاهد الاستاذ حيدره يعزف بنفسه على كلمات اغنية غناها التلاميذ للوطن ولحنها وعزف على كلماتها حيدرة ببراعة على العود، الأمر الذي جعل النعمان يسعى مع الحاكم الشرعي وقتها محمد بن علي المجاهد، لدى عامل التربة لطرده كي لا تتحول "ذبحان" إلى "لبنان". وحين جاء سيف الإسلام القاسم بن يحيى مع أمير تعز علي الوزير، تم سحب حيدرة بأمر من الإمام يحيى.
كان من ضمن الأمور التي أدان بها النعمان الأستاذ حيدرة ليسهل طرده، أنه كان يعلم التلاميذ أن الأرض كروية، وهو الأمر الذي برره النعمان بأنه يخالف النص القرآني الذي استشهد به: "والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي أن تميد بكمً".
وفي معرض الحديث عن إخراج حيدرة من التربة، يروي الكثيرون أنه عندما تم سحبه إلى تعز، كان الإمام قد دبر له كميناً وهو في طريق العودة لقتله، لكنه نجا منه بحيلة بعد أن أحس بما دبر له ، ورتب بعدها للهرب إلى عدن ونجح في ذلك.
يقول الباحث والكاتب محمد ناجي أحمد في كتابه ( الهويات الطاردة ) : انه يصعب استدراك دور الأستاذ حيدره لأن جهود هذا العملاق المسرحي والتربوي، غير موثقة باستثناء اشارات له في المذكرات، أو ماكتب عن تاريخ المسرح في اليمن، لكن الدور التأسيسي الذي قام به حيدره وأحدث من خلاله تطويراً للمسرح.. اخراجاً وتأليفاً وتمثيلاً دور يشهد به مسرح مدينة عدن في عشرينيات القرن وكذا النشاط الثقافي لنواديها والذي كان للأستاذ حيدره ومسرحه حضور متميز وريادي في تأسيس المسرح وتطويره وماقام به في مدينة التربة من غرس القيم الوطنية، وتأسيس هوية وطنية، موازية للهوية المصرية حينها كان ريادياً وصادماً لآفاق الكثيرين وعلى رأسهم الأستاذ النعمان والحاكم المجاهد وعامل التربه، الذين قاموا بالوشاية به إلى الإمام يحيى، واتهموه بالكفر، وبأنه يجاهر بدوران الأرض. ويعلم التلاميذ الموسيقى ويبذر بذور الوطنية من خلال الأناشيد، التي أتت لهم بهوية مختلفة عن هوية التعليم التقليدي، الذي يدور حول نقليات، وتعظيم مولانا أمير المؤمنين.

الأستاذ حيدره .. رائد حركة التغيير الاجتماعي في اليمن

في الصورة الأستاذ محمد أحمد حيدرة الثاني من اليمين وإلى يساره الأستاذ سعيد محمد الحكيمي، و يمينه الأستاذ حسين علي الحبيشي، إلى جوار الأستاذ سعيد قائد أحمد في أقصى اليسار، بجوار أحدى الأماكن الأثرية في القاهرة في ستينات القرن الماضي
* بقلم الدكتورعلوي عبد الله طاهر- جامعة عدن
في أوائل القرن الماضي، وتحديداً في العقد الأول منه شهدت بعض القرى في قضاء الحجرية ميلاد طفلين كان لكل منهما فضل الريادة والسبق في إرساء دعائم حركة التنوير في منطقة الحجرية التابعة للواء تعز، بحسب التقسيم الإداري وقتئذ، وهذان الطفلان هما : أحمد محمد نعمان ، ومحمد أحمد حيدره، كان الأول سليل أسرة عريقة من أسر مشايخ التربة، وهي أسرة النعمان، أما الآخر فهو سليل أسرة فقيرة من عامة الشعب. (1)
وربما اجتمع الطفلان في مدرسة ذبحان، والتي كانت عبارة عن (معلامة) يتلقى فيها بعض الأطفال مبادئ القراءة والكتابة والحساب، ويتعلمون بعض المبادئ الأولية من أحكام العبادات التي تمكنهم من أداء الشعائر الدينية من صلاة وصيام وغيرهما، إلى جانب حفظ بعض الآيات من قصار السور لقراءتها أثناء الصلاة .
وكان التعليم في (المعلامة) متديناً، ويقدم بطرائق تدريس عقيمة، وأساليب مملة ومنفرة ،مع نوع من القسوة من قبل المعلم الذي لا يفقه شيئاً من العلوم التربوية الحديثة ، وهذا النوع من التعليم كان هو السائد في معظم المناطق اليمنية ، وبالذات تلك المناطق التي كانت خاضعة لحكم آل حميد الدين ، والذين كانوا قد تسنمو أزمام السلطة بعد جلاء الأتراك العثمانيين من اليمن عام 1918.

عن هاشم علي وبعض عمالقة القرن العشرين في اليمن


* بقلم: محمد ناجي أحمد
الحديث عن التنوير في اليمن على مستوى اللون أو السرد الحكائي أو المسرح أوالوعي التربوي والتعليمي , يجعل المتتبع والمهتم يقف عند ثلاث شخصيات جذرت لهذا الفعل الحداثي, الأول كان محمد أحمد حيدرة . في بداية هذا القرن جاء من مصر بعد أن حصل على الثانوية العامة , , وبدأ في تأسيس المسرح في عدن عام 1927, وأدخل أدوار للمرأة وإن قام به رجال , لكن ذلك على مستوى الإخراج والمحتوى كان تجديداً يحسب للأستاذ حيدرة الذي عرَّب مسرحيات , بشكل موازٍ للمسرح المصري الذي جذره يعقوب صنوع, ثم بعد ذلك انتقل حيدرة إلى مدينة التربة ليعلم في مدرسة تابعة للأخ الأكبر للأستاذ النعمان , حينها أدخل حيدرة مقررات تعليمية حديثة في الرياضيات والتاريخ والوطنية , والجغرافيا, وهذا التعليم الحديث , كان مفاجئاً ومغايراً للتعليم التقليدي الذي توارثته الأجيال حتى ثلاثينيات القرن العشرين , حينها بدأ حيدرة صادماً لذلك الوعي الموروث وصادماً ومؤثراً على أهم رجالات الحركة الوطنية , أي الأستاذ أحمد محمد نعمان , الذي بدأ معارضاً لهذا الشكل الحداثي من التعليم , الصادم لتعليمه التقليدي , وانتهى به المطاف إلى التأثر به , والانتقال إلى مصر لتلقي العلم والتأثر بالحداثة والليبرالية المصرية . في الثلاثينيات من القرن العشرين جاء حيدرة إلى التربة ليؤسس شكلاً حداثياً من طرق التعليم لازال حتى يومنا هذا مستبعداً من الممارسة التربوية , ألا وهو طريقة التمثيل والحوار في تقديم المادة العلمية , هكذا كان حيدرة يقدم التاريخ بطريقة الحوار والتمثيل , وكان على مستوى مفهوم الوطنية , مؤسساً ومبدعاً لهذا المفهوم بمحتواه الحداثي الذي ينتمي للقرن العشرين , هكذا كانت أناشيده التي يعملها للتلاميذ في مدرسة التربة , في الجبانة التابعة لبيت النعمان , وبسبب نهجه الحداثي والمغاير في التعليم وفي مفهوم الوطن , كان تحريض النعمان , وحاكم التربة محمد بن علي عبد الكريم المجاهد بضرورة نقل الأستاذ حيدرة لأنه يفسد الدين والمفاهيم الراسخة للوطن والأمة والتاريخ وشكل الأرض ودورانها حول الشمس .

حيدره والدور الريادي في الـتـنـوير


الحديث عن التنوير في اليمن على مستوى المسرح أو الوعي التربوي والتعليمي , يجعل المتتبع والمهتم يقف عند شخصية الأستاذ محمد أحمد حيدرة . ففي بداية هذا القرن جاء حيدرة من مصر بعد أن حصل على البكالوريا, وبدأ في تأسيس المسرح في عدن عام 1927, وأدخل أدوار للمرأة وإن قام به رجال , لكن ذلك على مستوى الإخراج والمحتوى كان تجديداً يحسب للأستاذ حيدرة الذي عرَّب مسرحيات , بشكل موازٍ للمسرح المصري الذي جذره (يعقوب صنوع), ثم بعد ذلك انتقل حيدرة إلى مدينة (التربة) التابعة لمحافظة تعز، ليعلم في مدرسة تابعة للأخ الأكبر للأستاذ النعمان , حينها أدخل حيدرة مقررات تعليمية حديثة في الرياضيات والتاريخ والوطنية , والجغرافيا, وهذا التعليم الحديث كان مفاجئاً ومغايراً للتعليم التقليدي الذي توارثته الأجيال حتى ثلاثينيات القرن العشرين , حينها بدأ حيدرة صادماً لذلك الوعي الموروث وصادماً ومؤثراً على أهم رجالات الحركة الوطنية , أي الأستاذ أحمد محمد نعمان , الذي بدأ معارضاً لهذا الشكل الحداثي من التعليم , الصادم لتعليمه التقليدي , وانتهى به المطاف إلى التأثر به , والانتقال إلى مصر لتلقي العلم والتأثر بالحداثة والليبرالية المصرية . في الثلاثينيات من القرن العشرين جاء حيدرة إلى التربة ليؤسس شكلاً حداثياً من طرق التعليم لازال حتى يومنا هذا مستبعداً من الممارسة التربوية , ألا وهو طريقة التمثيل والحوار في تقديم المادة العلمية , هكذا كان حيدرة يقدم التاريخ بطريقة الحوار والتمثيل , وكان على مستوى مفهوم الوطنية , مؤسساً ومبدعاً لهذا المفهوم بمحتواه الحداثي الذي ينتمي للقرن العشرين , هكذا كانت أناشيده التي يعملها للتلاميذ في مدرسة التربة , في (الجبانة) التابعة لبيت النعمان , وبسبب نهجه الحداثي والمغاير في التعليم وفي مفهوم الوطن , كان تحريض النعمان , وحاكم التربة محمد بن علي عبد الكريم المجاهد بضرورة نقل الأستاذ حيدرة لأنه يفسد الدين والمفاهيم الراسخة للوطن والأمة والتاريخ وشكل الأرض ودورانها حول الشمس.
كان الأستاذ حيدرة رائداً للتحديث أسهم بشكل رئيس في تأسيس المسرح اليمني، الذي بدأه عبر بوابة التربية والتعليم ، ليقدم فيما بعد قدرة مدهشة في حل اشكاليات المجتمع اليمني من خلال عرضها وحلها باستخدام المسرح كوسيلة تغيير لم تعرفها اليمن قط حتى اللحظة.
انتقل إلى تعز بطريقة إجبارية , وبدأ في التدريس في مدرسة دار الذهب , وسار في نهجه الحداثي سواء في مسرح شجرة "الطولقة والعرضي" أو في طريقة التدريس الحداثية لمناهج التاريخ والعلوم والوطنية والجغرافيا والرياضيات وغيرها.

الأستاذ محمد أحمد حيدرة.. في سطور

الاستاذ الراحل/ محمد أحمد حيدرة.
عُرف الأستاذ الراحل محمد أحمد حيدرة بأنه الرائد الأول لحركة التنوير في اليمن ، باعتباره مؤسس المسرح في اليمن والمعلم التربوي الأول في عهد المملكة المتوكلية اليمنية.
 
عمل حيدرة على تأسيس المسرح في اليمن شمالاً وجنوباً مطلع العام 1927 مبتدئاً بذلك من مدينة عدن. ثم انتقل إلى شمال اليمن خلال حقبة المملكة المتوكلية اليمنية إبان حكم (الإمام أحمد بن يحي حميد الدين) ليقوم بتأسيس أول مدرسة حديثة في اليمن آنذاك، والتي عرفت باسم "المدرسة الأهلية" حيث قام بادخال واعتماد تدريس المناهج العلمية الحديثة "الرياضيات والعلوم والجغرافيا والفنون وغيرها".
بالإضافة إلى تأسيسه لنشاط الكشافة (الجوالة). كما عُرف عن الاستاذ حيدرة بانه شاعرُ غنائي، ويجيد العزف على آلة العود، عمل على تأليف كلمات أول نشيد وطني كان يردده الطلاب في المدرسة الأهلية أيام حكم الإمام أحمد ،وقام ولي العهد الإمام محمد البدر باعتماده كنشيد وطني للمملكة المتوكلية اليمنية.